جرائم المال العام الاختلاس والتبديد والتصرف بغير وجه حق

2 فبراير, 2025

يعد المال العام ركيزة أساسية في بناء الدولة وتحقيق التنمية المستدامة، وهو احد وسائل تقديم الخدمات العامة وتحقيق الرفاهية المجتمعية، لذا، فإن أي اعتداء على المال العام يمثل انتهاكًا للأمانة الوظيفية، ومن أبرز الجرائم التي تهدد المال العام هي جريمة الاختلاس.

تُعرف جريمة الاختلاس بأنها تصرف الموظف العام في المال العام الذي وقع تحت حيازته بسبب وظيفته، وذلك بتحويل حيازته الناقصة إلى حيازة كاملة والتصرف فيه تصرف المالك بغير وجه حق. ويشكل هذا الفعل انتهاك للقوانين المنظمة للوظيفة العامة، مما يستوجب مواجهته بحزم عن طريق سن الانظمة والعقوبات الرادعة.

أولا: الفرق بين الاختلاس والسرقة

رغم أن الاختلاس والسرقة كلاهما يشتركان في الاعتداء غير المشروع على المال، إلا أن هناك فروق جوهرية بينهما، أبرزها:

طبيعة المال المعتدى عليه

  • السرقة تتعلق بالمال الخاص الذي يكون في حيازة شخص معين.
  • الاختلاس محله متصور بالمال العام الذي يكون في عهدة موظف عام بسبب وظيفته.

حيازة المال

  • في السرقة، يكون المال في حيازة شخص آخر، ويقوم الجاني بأخذه خلسة.
  • أما في الاختلاس، يكون الجاني قد استلم المال بصورة قانونية بحكم وظيفته، لكنه يستولي عليه بشكل غير مشروع.

الصفة القانونية للجاني

  • السرقة يمكن أن يرتكبها أي شخص.
  • الاختلاس لا يُرتكب إلا من قبل موظف عام أو من في حكمه.

وبالتالي، فإن الاختلاس يُعد جريمة خيانة للأمانة الوظيفية أكثر من كونه جريمة سرقة، مما يستوجب تشديد العقوبة عليه نظرًا لما يترتب عليه من آثار خطيرة على المال العام والثقة في الوظيفة العامة.

ثانياً: أركان جريمة الاختلاس

حتى تتحقق جريمة الاختلاس، لا بد من توافر ثلاثة أركان رئيسية:

  1. الركن المادي

يتمثل في استيلاء الموظف على المال العام وتحويل حيازته الناقصة إلى حيازة كاملة، بحيث يتصرف فيه كأنه مالك له، سواء بالإنفاق أو البيع أو الإقراض أو أي شكل آخر من أشكال التصرف غير المشروع.

  1. الركن المعنوي (القصد الجنائي)

يتطلب أن يكون لدى الجاني نية تملك المال العام بغير وجه حق، أي أن يكون لديه قصد جنائي عام يتمثل في علمه بأن المال الذي يستولي عليه هو مال عام، وقصد خاص يتمثل في نيته الاستيلاء عليه لمصلحته الشخصية.

  1. الركن المفترض (صفة الفاعل والمال المختلس)

صفة الفاعل: لا بد أن يكون الجاني موظفًا عامًا أو مكلفًا بإدارة المال العام، حيث تُعد هذه الصفة شرطًا أساسيًا لقيام الجريمة، وليست مجرد ظرف مشدد فيها.

صفة المال: يجب أن يكون المال المختلس (مال عام ، مملوك للدولة أو لأحد الجهات الحكومية).

ثالثاً: التفرقة بين الاختلاس المشدد والاختلاس المخفف

يمكن تصنيف جريمة الاختلاس إلى صورتين، وفقًا لصفة الجاني ومسؤولياته الوظيفية:

الصورة المخففة: إذا كان المختلس موظف عام لا يشغل منصب رفيع، فيُعد اختلاسه جريمة اختلاس عادية.

الصورة المشددة: إذا كان المختلس من الفئات التي تتولى مسؤولية مباشرة عن الأموال العامة، مثل أمناء الصناديق، مأموري الصرف، محصلي الأموال العامة، وأمناء المستودعات، فإن العقوبة تكون أشد، لأنهم مؤتمنون على المال العام بحكم وظيفتهم.

رابعاً:  النظام السعودي في جريمة الاختلاس

الأنظمة والتشريعات ذات الصلة

ينظم النظام السعودي جريمة الاختلاس من خلال عدة أنظمة وتشريعات، أبرزها:

  • نظام عقوبات جرائم الوظيفة العامة.
  • نظام مكافحة الرشوة.
  • نظام وظائف مباشرة الأموال العامة.
  • نظام تأديب الموظفين.
  • نظام مكافحة الاحتيال المالي وخيانة الأمانة.
  • نظام الإجراءات الجزائية ولائحته التنفيذية.
  • نظام الخدمة المدنية ولائحته التنفيذية.

ويُعد المرسوم الملكي رقم 43 لسنة 1377 هـ النظام الأساسي المعمول به لمعاقبة جرائم الاختلاس، رغم إلغاء بعض مواده بعد صدور نظام مكافحة الرشوة عام 1412 هـ.

خامساً: عقوبة جريمة الاختلاس في النظام السعودي

وفقًا للنظام السعودي، يُعاقب مرتكب جريمة الاختلاس بـ:

  1. السجن لمدة تصل إلى 10 سنوات.
  2. غرامة تصل إلى 20 ألف ريال سعودي.
  3. أو بالعقوبتين معًا.

بالإضافة إلى العقوبة التبعية، وهي الحرمان من تولي الوظائف المشمولة بالنظام واللائحة التنفيذية.

سادساً: طرق إثبات جريمة الاختلاس

يتم إثبات جريمة الاختلاس من خلال وسائل الإثبات المعتمدة، ومنها:

  • شهادة الشهود: كأفراد شاهدوا واقعة الاختلاس أو لديهم معلومات تفيد التحقيق.
  • الأدلة والوثائق: مثل المستندات المالية والتقارير المحاسبية التي تثبت الاستيلاء على المال العام.
  • وسائل الإثبات الأخرى: كالتسجيلات الصوتية أو المرئية، أو المراسلات الرقمية التي تثبت تورط الجاني.

سابعاً: صور التصرف غير المشروع في المال العام (التبديد)

إضافة إلى الاختلاس، قد يقوم الموظف العام بالتصرف في المال العام بغير وجه حق، وتشمل صور التبديد:

  • تبديد المال: إنفاق المال العام بطرق غير قانونية.
  • إقراض المال: منح المال العام لأفراد أو جهات دون مسوغ قانوني.
  • بيع المال العام: التصرف فيه بالبيع دون وجه حق.
  • تأجير المال العام: تأجيره لأغراض شخصية.
  • رهن المال: استخدام المال العام كرهن شخصي.
  • هبة المال: منح المال العام كهدية دون إذن.
  • إنكار استلام المال: إنكار تسلم الأموال الموضوعة تحت عهدة الموظف.
  • إيداع المال في حساب شخصي: تحويل المال العام إلى الحسابات الشخصية.

ثامناً: الشروع في الاختلاس والجريمة التامة

يجدر الإشارة إلى أن جريمة الاختلاس لا تقف عند حد الشروع، بل تُعتبر جريمة تامة بمجرد الاستيلاء على المال العام والتصرف فيه، حتى لو لم يتحقق الضرر الفعلي منها حتى إذا تم ضبط الجاني قبل تصرفه في المال، أو أعاد المال بعد أخذه، فإنه تطل مسؤوليته الجنائية قائمة عن الجريمة.

في الختام ، يعد الاختلاس من الجرائم التي تهدد نزاهة الوظيفة العامة وتعدم الثقة في مؤسسات الدولة، مما يستوجب تشديد العقوبات والمراقبة المستمرة لضمان حماية المال العام، إن تفعيل آليات الرقابة المالية والتدقيق الداخلي، إلى جانب توعية الموظفين بأهمية النزاهة والشفافية، يُعد من الوسائل الأساسية لمكافحة هذه الجريمة والحفاظ على المال العام من أي تلاعب أو استغلال غير مشروع. 

أكتب تعليقا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *