الفساد المالي والإداري

3 فبراير, 2025

مفهوم الفساد المالي والإداري

الفساد يشير إلى تلك الممارسات غير القانونية وغير الأخلاقية التي تصدر عن بعض العاملين في مؤسسات الدولة، حيث يتم تجاوز القوانين والأنظمة لتحقيق منافع شخصية، سواء كانت مادية أو معنوية، لصالح فئة معينة على حساب الآخرين. هذه الممارسات تؤدي إلى تعطيل أهداف المؤسسات، مما يؤثر سلباً على كفاءة العمل ويحول مساره عن الأهداف التي أُنشئت لتحقيقها.

يعد مصطلح الفساد عام ، حيث يشمل عدة جوانب من العمل، مثل الجانب الإداري، المالي، القانوني، وحتى الاجتماعي. القاسم المشترك لهذه الممارسات هو استغلال الموظفين لمناصبهم لتحقيق مكاسب غير مشروعة، وهو ما دفع الباحثين والمختصين للتأكيد على ضرورة مكافحة الفساد، خاصة في الدول النامية.

أولا: تعريف الفساد الإداري

يقدّم البنك الدولي تعريفاً واضحاً للفساد الإداري، وعرّفه بأنه: “إساءة استعمال الوظيفة العامة للكسب الخاص”. يحدث ذلك عندما يقوم موظف بقبول رشوة أو طلبها أو ابتزاز الآخرين لتسهيل إجراءات أو عقود معينة، أو عندما يعرض وكلاء شركات أو أفراد رشاوى للحصول على امتيازات غير قانونية، مثل تخطي المنافسة وتحقيق أرباح بطرق غير مشروعة.

بناءً على هذا، يُعد الفساد الإداري كل تصرف غير أخلاقي أو قانوني يهدف إلى تحقيق منفعة شخصية غير مشروعة هذه الممارسات تؤدي إلى:

  • حرمان الأشخاص ذوي الكفاءة من فرص العمل، مما يؤدي الى الإحباط و فقدان الدافع للعمل.
  • تفشي البطالة الاختيارية، حيث يفقد البعض الرغبة في العمل نتيجة للظلم الوظيفي.
  • ظهور (لبطالة المقنعة)، حيث يشغل أشخاص غير مؤهلين مناصب لا تناسب قدراتهم، مما يؤدي إلى ضعف الأداء وعدم المساهمة الفعلية في التنمية.

ثانياً: مظاهر الفساد

يوجد مؤشرات تُظهر وتلازم مرتكب هذا السلوك لتوضح كيف يتغلغل الفساد في مختلف المجالات، يمكن تلخيص مظاهر الفساد في النقاط التالية:

  1. الممارسات السرية:

غالبًا ما تتم أفعال وترتيبات ومفاوضات الفساد بشكل سري، مما يجعل من الصعب اكتشافها أو إثباتها بسهولة.

  1. تعدد الأطراف:

يشترك أكثر من طرف في عملية الفساد، حيث يستفيد كل طرف بطريقة ما من السلوك الفاسد، مثل تقديم خدمات أو اتخاذ قرارات غير قانونية مقابل الحصول على منفعة متبادلة.

  1. الالتزام المتبادل:

هناك التزام ضمني بين أطراف الفساد، حيث يلتزم من يملك السلطة العامة بتنفيذ الفعل الفاسد، بينما يلتزم الطرف الآخر بدفع مقابل مادي أو تقديم منفعة محددة مقابل ذلك.

  1. خيانة الثقة:

يُعد الفساد خيانة للثقة الممنوحة لصاحب السلطة أو المسؤول، حيث ينطوي على تصرفات تخالف الأمانة المهنية أو القوانين التي تحكم العمل.

  1. التناقض والشمول:

يظهر الفساد من خلال تناقض أدوار مرتكبيه بين الحياة العامة والحياة الخاصة، حيث يستغلون مناصبهم لتحقيق منافع شخصية أما الشمول هو شامل لجميع الأفراد الذين يسعون للحصول على مصالح غير مشروعة وأولئك القادرين على التأثير على القرارات المتعلقة بها، وغالبًا ما يتم ذلك بشكل يخالف القوانين واللوائح.

  1. الخديعة والتحايل:

يتضمن الفساد أفعالًا احتيالية مثل تزوير الأوراق والمستندات أو التحايل على القوانين واللوائح لتحقيق مكاسب غير مشروعة.

  1. السلوك المنحرف:

يُعتبر الفساد سلوك غير اخلاقي يتنافى مع القوانين والأخلاق السليمة، مما يجعله مرفوض من جعتين اجتماعية ونظامية

  1. تحقيق منفعة خاصة على حساب المصلحة العامة:

يهدف مرتكبو الفساد إلى تحقيق مكاسب شخصية مادية أو معنوية على حساب المنفعة العامة، مما يتسبب في أضرار اقتصادية (مثل عجز الموازنة العامة) وسياسية (مثل تمويل الإرهاب وزعزعة الاستقرار الأمني).

  1. استغلال السلطة العامة:

يحدث الفساد عندما يستخدم صاحب السلطة العامة منصبه لاتخاذ قرارات تخدم مصالح شخصية أو مصالح جهات معينة، مما يؤدي إلى استغلال هذه السلطة بشكل يخالف القانون.

  1. التستر على الفساد:

يتخذ الفساد أشكالا مختلفة من التستر، مثل الادعاء بأن التصرفات المخالفة تمت بناءعلى تعليمات عليا، أو بذريعة حماية الأمن القومي أو تحقيق المصلحة العامة، بالإضافة إلى استغلال الثغرات الإدارية والقانونية أو الظروف الاستثنائية لتغطية الممارسات الفاسدة.

  1. تعدد وسطاء الفساد:

يشمل الفساد وسطاء مجهولين يعملون لتسهيل التواصل بين أطراف الفساد، دون أن يلتقي الطرفان وجهًا لوجه. يعمل هؤلاء الوسطاء كمحترفين موزعين جغرافيًا أو على قطاعات مختلفة، وينسقون فيما بينهم لخدمة مصالح الفساد.

ثالثاً: الجهات المختصة بالنظر في جرائم الفساد المالي والإداري

إنَّ الدعوى الجزائية العامة في جرائم الفساد المالي والإداري تختلف عن بقية الجرائم الأخرى؛ فهي ليست مجرد دعوى جزائية عادية، بل تتطلب خصوصية معينة من حيث التحقيق والمحاكمة يعود ذلك إلى طبيعة هذه الجرائم وتأثيراتها السلبية على المال العام ونزاهة الوظيفة العامة. وفي هذا الإطار، يتم تناول الجهات المختصة بالنظر في جرائم الفساد المالي والإداري على النحو التالي:

الجهة الأولى: الجهة المختصة بالدعوى العامة في جرائم الفساد المالي والإداري

  • وفقًا للمادة الثالثة من نظام النيابة العامة في المملكة العربية السعودية، فإن النيابة العامة هي الجهة المسؤولة عن رفع الدعوى العامة وفقًا للأنظمة المنظمة لذلك.
  • تتولى النيابة العامة التحقيق في الجرائم المتعلقة بالفساد المالي والإداري ومباشرة الادعاء العام أمام الجهات القضائية المختصة، وذلك استنادًا إلى النصوص الواردة في القوانين ذات العلاقة، مثل المادة الثالثة عشرة التي تنص على أن: “تتولى هيئة التحقيق والادعاء العام التحقيق والادعاء العام وفقًا لنظامها ولوائحها”.

وقد عزز النظام السعودي هذا التوجه بإعطاء المدعي العام صلاحيات واسعة للتحقيق في الجرائم المالية والإدارية، بما يشمل جمع الأدلة والتحقيق في تفاصيل القضايا وعرضها أمام المحاكم المختصة.

الجهة الثانية: الجهة المختصة بجلسات المحاكمة في جرائم الفساد

  • وفقًا للمادة السادسة والخمسين من نظام المرافعات، يجب أن تعقد جلسات المحاكمة في قضايا الفساد أمام المحاكم المختصة، على أن تُراعي المحكمة كافة الضوابط النظامية في سماع الأقوال والفصل في النزاعات، بما يضمن تحقيق العدالة والمساواة.
  • ومن الناحية التنظيمية، يتم النظر في قضايا الفساد المالي والإداري من قبل محاكم ذات اختصاص نوعي، لضمان معالجتها بشكل دقيق ومتخصص.

رابعاً: جهود هيئة الرقابة ومكافحة الفساد

استنادًا إلى نظام هيئة الرقابة ومكافحة الفساد، أصبح للهيئة دور رئيسي في التحقيق بمخالفات الفساد المالي والإداري وفقًا لنص المادة الثانية من الفقرة (ثالثاً)، تختص الهيئة بـالتالي:

  • التحقيق في قضايا الفساد المالي والإداري ومباشرة الدعوى العامة أمام المحاكم المختصة.
  • تقديم الأدلة والبراهين اللازمة لتوصيف التهم والمطالبة بتوقيع العقوبات المستحقة على المخالفين.
  • كما تتولى الهيئة التنسيق مع الجهات القضائية لضمان معالجة القضايا المتعلقة بالفساد بفعالية وسرعة، مع التركيز على محاربة الفساد الإداري الذي يُعتبر من أكبر التحديات التي تواجه تطور الأجهزة الحكومية
  • عدم وجود نص تنظيمي لتوزيع القضايا على المحققين

لا يوجد في النظام الحالي نص تنظيمي واضح يحدد آلية توزيع القضايا بين المحققين العاملين في هيئة التحقيق والادعاء العام، مما يترك التقدير لرئيس وحدة الادعاء العام الجنائي لتعيين المحققين وفقًا لما يراه مناسبًا. ويعتمد هذا التوزيع على طبيعة القضايا ومدى حساسيتها وأهميتها في إطار مكافحة الفساد المالي والإداري.

خامساً: أهمية الخصوصية في قضايا الفساد المالي والإداري

قضايا الفساد المالي والإداري تتميز بتشابكها وتعقيدها، مما يتطلب التعامل معها الدقة، لذلك، تُمنح هذه القضايا خصوصية كبيرة سواء من حيث التحقيق أو المحاكمة، بهدف:

  • ضمان النزاهة والشفافية في الإجراءات.
  • حماية المال العام من الإهدار.
  • تعزيز الثقة في الأجهزة الحكومية والقضائية.

وفي هذا الإطار، تلعب الجهات المختصة، مثل النيابة العامة وهيئة الرقابة ومكافحة الفساد، دورًا محوريًا في معالجة هذه القضايا بما يحقق العدالة ويمنع حدوثها مستقبلاً.

أكتب تعليقا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *