أركان جريمة التستر التجاري والعقوبة المقررة لها في ظل النظام السعودي
المقدمه
يؤثر التستر التجاري بشكل سلبي على نمو الاقتصاد الوطني وازدهاره، وذلك نتيجة انتشار معاملاته التي يذهب عائدها المالي للعمالة الوافدة التي تقوم بدورها بتحويلها إلى خارج المملكة مما يؤدي ذلك إلى حرمان المملكة من الاستفادة من ذلك. علاوة على ذلك لا يقف تأثير جريمة التستر التجاري على ذلك فقط ، بل تلعب دوراً كبيراً في تهديد الأمن الاقتصادي واستقراره حيث إنها تعتبر من الجرائم الاقتصادية المستمرة التي تسهل على المتستر عليه عملية غسيل الأموال لضعف الرقابة المالية. وحرصاً على الحد من جريمة التستر التجاري، أصدرت المملكة أنظمة صارمة للوقوف تجاه هذه الآفة الاقتصادية، بالإضافة إلى أنه تم إطلاق برنامج حكومي تحت مسمى مكافحة التستر التجاري للقضاء على هذه الجريمة بالتعاون مع عدة جهات، وتطبيقاً لذلك أكد البرنامج على ضرورة التزام كافة المنشآت بقواعد السوق المعتمدة لدى الجهات الحكومية. التي تلعب بدورها أهمية كبيرة للحد من جريمة التستر التجاري وفي الوقت ذاته تُعتبر من أوجه الدفاع التي تخول المتهمين بمثل هذه القضايا إثبات التزامهم بهذه المعايير التي تنفي عنهم صفة المتسترين التجاريين. وأعلن البرنامج عن هذه المعايير والتي من أهمها إلزامية وجود سجل تجاري ساري المفعول للمنشأة ومتضمناً كافة البيانات والتراخيص اللازمة لمزاولة نشاطها، علاوة على أن على المنشأة فتح حساب بنكي خاص بها، والابتعاد عن استخدام الحسابات الشخصية في التعاملات التجارية، والحرص على تجديد رخص مزاولة النشاط، وتحديث عناوين المنشأة المرتبطة بها.
تعريف التستر التجاري
انطلاقاً مما سلف، ورد تعريف جريمة التستر التجاري في نص المادة الثانية من نظام مكافحة التستر وذلك على النحو الآتي: “اتفاق أو ترتيب يُمكِّن من خلاله شخصٌ شخصاً آخر غير سعودي من ممارسة نشاط اقتصادي في المملكة غير مرخص له بممارسته باستخدام الترخيص أو الموافقة الصادرة للمتستر.” بناءً على ما سبق ، تتكون جريمة التستر التجاري من ثلاثة أطراف وهي على النحو الآتي: -١ المتستر: وهو الطرف الذي من خلاله تبدأ جريمة التستر وذلك نتيجة تمكينه لغيره من غير السعوديين في مزاولة عمل غير مشروع تحت ترخيص يمتلكه المتستر الذي قد يكون سعودياً أو غير ذلك. -2 المتستر عليه: هو الطرف المقيم غير مواطن، والذي يقوم دوره في الجريمة من خلال ممارسته عملاً حظره النظام عليه، وقد يكون شخصاً طبيعياً أو اعتبارياً. -٣ العقد المبرم بين المتستر والمتستر عليه الذي ينص بنده الأساسي على رجوع النشاط التجاري إلى المتستر عليه لكن تحت مظلة اسم المتستر كون النشاط يسمح له بممارسته على عكس الأول.
أركان جريمة التستر التجاري
ولاعتبار فعلٍ ما تستراً تجارياً ومن ثم دخوله في دائرة التجريم لا بد أن يكتمل فيه جميع الأركان التي تقوم بها جريمة التستر، وهي ما ورد ذكرها في النظام، نذكرها على النحو الآتي: -١ الركن المادي: وهو أي فعل مادي يقصده الجاني تحقيقاً لنتيجة إجرامية ما، بناءً على ذلك يقوم ويكتمل الركن المادي في جريمة التستر بالتمكين وهو الفعل الصادر من المتستر لغيره من الأشخاص مصحوباً بالإذن باستخدام ترخيصه أو اسمه التجاري لممارسة نشاطه التجاري، بالإضافة إلى فعل الممارسة الصادر من قبل غير السعودي لأي نشاط تجاري محظوراً عليه ممارسته في المملكة نظاماً، وبعدم وجود ترخيص للأخير يخوله ممارسة مثل هذا النشاط. -2 الركن المعنوي: تعتبر جريمة التستر التجاري من الجرائم العمدية التي تتطلب قيام القصد العام المتمثل في العلم والإرادة أي بعلم المتهم بماديات الجريمة ودخولها تحت نطاق جريمة التستر ومع ذلك تتجه إرادته الحرة إلى تحقيق نتائج فعل التستر. وسائل الإثبات والدفاع في قضايا التستر التجاري نص المنظم السعودي في المادة السابعة من نظام مكافحة التستر على أنه:” يكون الإثبات في الجرائم والمخالفات المنصوص عليها في النظام بجميع طرق الإثبات، بما فيها الأدلة الإلكترونية.”. وعليه نلاحظ أن المنظم نص صراحةً على إمكانية استخدام جهة الضبط أو المتهم وسائل الإثبات كافة دون التقيد بوسيلة إثبات ما دون غيرها. علاوةً على ذلك تتعدد وسائل الإثبات في النظام السعودي من بين الإقرار والكتابة التي تتنوع بين المحررات الرسمية والعرفية بالإضافة إلى الأدلة الرقمية والشهادة والقرائن، وتطبيقاً لما سبق على جريمة التستر التجاري يتم إثبات التستر التجاري بعدة وسائل نذكرها على النحو الآتي: -١العقود الرسمية: تعتبر العقود الرسمية دليلاً معتبراً في إثبات جريمة التستر التجاري أو لنفي وقوعها، فمن ناحية إثبات وقوع جريمة التستر التجاري بإثبات صورية عقد العمل أو عقد الشراكة وإلى آخره من العقود التي قد تبرم بين المواطن السعودي والشخص غير السعودي التي تضمن في حقيقتها تمكين الأخير من ممارسة نشاطاً اقتصادياً في المملكة غير مرخص له بممارسته باستخدام الترخيص أو الموافقة الصادرة للمتستر أي المواطن السعودي، وأن الأول مكن الأخير من إدارة المنشأة بشكل كلي والتصرف فيها، ومن منظور آخر بإمكان الشخص السعودي الدفاع عن نفسه بإثبات أنه تربطه مع الشخص غير السعودي علاقة عمل بناء على عقد صحيح وموثق، وذلك دون تمكينه من إدارة النشاط أو التصرف فيه. وتأسيساً على ذلك يلعب التحقيق من قبل النيابة العامة دوراً هاماً في إيضاح العلاقة التي تربط بين أطراف العقد التي تؤدي إلى إثبات وقوع جريمة التستر من عدمه. -2 شهادة الشهود: يمكن الاستعانة بشهادة الشهود التي تعتبر من الوسائل التي يأخذ بها النظام السعودي كما سبق ذكره للتأكد من وقوع الأفعال المادية لجريمةٍ ما أم لا ، وتعرف شهادة الشهود بأنها:” إخبار عن مشاهدة وعيان لا عن تخمين وحسبان”. استناداً لما سبق يمكن إثبات وقوع جريمة التستر التجاري أو نفيها بشهادة الشهود يكون ذلك بإدلاء طرف ثالث عن أطراف العقد بأقواله في مجلس القضاء التي تكشف بدورها أصل مضمون العقد وعدم صوريته والعكس صحيح. ومن زاوية أخرى يعتبر عدم وجود ترخيص رسمي للشخص غير السعودي في الاتفاق هو الركن الأساسي التي تكتمل فيه جريمة التستر التجاري وبعدم توافره لا تكتمل أركان هذه الجريمة، بمعنى أنه في حال توفر الترخيص انتفى التجريم، أي بامتلاك غير السعودي رخصة الاستثمار الأجنبي وفق الأنظمة الصادرة وبالتالي ينهي ذلك مسألة وقوع التستر التجاري. -٣ القرائن: يمكن تعريف القرينة بأنها:” استنباط واقعة غير ثابتة من واقعة ثابتة”. بالتالي هي العلامات التي تقود إلى أدلة خفية، ومن هذا المنطلق يمكن من خلال القرائن إثبات جريمة التستر التجاري من علامات عدة وهي التي ورد ذكرها في اللائحة التنفيذية لنظام مكافحة التستر ونذكرها على النحو الآتي: -عدم فتح حساباً بنكياً خاصاً بالمنشأة التجارية واللجوء لاستخدام الحسابات الشخصية للمعاملات التجارية والبنكية. -عدم اشتراك العامل غير السعودي في المنشأة في المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية. -عدم تسجيل المنشأة في الهيئة العامة للزكاة والدخل.
عدم استخدام المنشأة لبرنامج حماية الأجور المعتمد من قبل وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية. ومن زاوية أخرى بإمكان المتهم الدفاع عن نفسه للتنصل عن تهمة التستر التجاري بأنه قام بإتباع كافة الطرق المشروعة لممارسة نشاطه التجاري وفق المعايير التي ذكرناها سابقاً، وأنه تربطه مع الشخص غير السعودي علاقة عمل بناء على عقد صحيح وموثق، دون تمكينه من إدارة النشاط أو التصرف فيه. ومن هذا المنطلق تبرز أهمية توكيل محامي متمكن في القضايا التجارية لا سيما قضايا التستر التجاري الذي يقوم بدوره بقراءة الوقائع القانونية وإنزال الوصف القانوني الصحيح عليها وصولاً إلى الأسانيد القانونية وصياغة جميع ما سبق بشكل قانوني قوي وشامل، بالإضافة إلى طلب الشهود وغيرها من الإجراءات التي تساعد في الوصول إلى نفي التهمة عنه.
عقوبة جريمة التستر التجاري نص المشرع السعودي في نظام مكافحة التستر في المادة التاسعة على: ” دون إخلال بأي عقوبة ينص عليها أي نظام آخر، يعاقب كل من يرتكب أياً من الجرائم المنصوص عليها في النظام بالسجن مدة لا تزيد على )خمس( سنوات وبغرامة لا تزيد على )خمسة( ملايين ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين، على أن يراعى عند تحديد العقوبة: حجم النشاط الاقتصادي محل الجريمة، وإيراداته، ومدة مزاولة النشاط، والآثار المترتبة على الجريمة…
قائمة المراجع والمصادر -١نظام مكافحة التستر، الصادر بمرسوم ملكي رقم )م ٤/( وتاريخ ١/١/١٤٤2هـ. -2 المطيري، فواز. )2٠2٣(. جريمة التستر التجاري في النظام السعودي: دراسة تحليلية مقارنة”. المجلة العربية للدراسات الأمنية.١٤-١2: -٣ الدباسي، أمل. )١٤٣٩هـ(.”مكافحة جريمة التستر. “دراسة فقهية نظامية”. مجلة العدل: )٨2(-٣٠: .٣١ -٤ توفيق، حسام. )2٠١٨(. الإثبات في الفقه الإسلامي والأنظمة السعودية. ط.١ دار الكتاب الجامعي

أكتب تعليقا